استهداف الصحة

النتائج

الحق في الصحة هو أحد حقوق الإنسان الأساسية. تعتبر الوحدات الطبيّة والعاملون في المجال الطبيّ والجرحى أو المرضى محميّين على وجه التحديد بموجب القوانين الدولية للنزاعات المسلّحة. عندما تصبح البنى التحية الطبيّة عرضةً للخطر أو متضرّرة بشدّة؛ فإن ذلك يقوّض صحّة وسلامة ومعيشة الأشخاص المعتمدين على هذه المنشآت على نحوٍ فادح، ما يكبّد الناس العناء مع فقدانهم الوصول الآمن والمضمون للرعاية الصحيّة. تتفاقم الأمور بشدّة في ظل نزاعٍ يتّسم بتدميرٍ واسع النطاق وعشوائيّ وعنيف وغير متكافئ؛ كما هو الحال في سوريا.

تسبر قاعدة بيانات الأرشيف السوري للوثائق البصرية التعمّد والتأثير والاستراتيجيّة في الهجمات ضدّ المنشآت الطبيّة في سوريا منذ عام 2011. توثّق قاعدة البيانات هذه هجماتٍ ممنهجة وواسعة النطاق، مرتبطة بالنزاع الراهن، وتزيد الأذى الذي لحق بالمدنيين -الموجودين في مناطق سيطرة المعارضة على نحوٍ خاص- باستمرار؛ نتيجة تدمير البنى التحتية الطبيّة الأساسيّة. إن معظم الهجمات ضد المنشآت الطبية في سوريا تبلغ حدّ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مدعّمة بالوثائق.

منذ رفع أول مقطع فيديو يصوّر هجومًا على مشفى سوريّ على يوتيوب في 15 آب/ أغسطس 2011؛ حفظنا وثائق مرتبطة بـ 410 هجمات منفصلة وموثّقة ما بين 2011 وحتى 2020، ضدّ 270 منشأة طبّية في سوريا. عند تحليلها ودراستها بعناية؛ أظهرت هذه المقاطع أن الهجمات ضد البنى التحتية الطبيّة في سوريا سمةُ متكرّرة ومأساوية ومُتعمّدةٌ في النزاع.

عند تحليلها بعناية ودراستها مجتمعةً، تُظهر مقاطع الفيديو هذه بوضوح أن الهجمات على البنية التحتية الطبية في سوريا هي سمة متكررة ومأساوية ومتعمّدة في النزاع.

تحذير

تجمع قاعدة البيانات هذه وثائق فيديو تصوّر هجمات ضد المنشآت الطبية والعاملين في المجال الطبي. إن العديد من الوثائق البصريّة المعروضة والكثير من المحتوى المُحلَّل هنا يتّسمان بالعنف والقسوة.

التعمّد
تعرضت 75 منشأة طبية مُدرجة في قاعدة البيانات هذه للهجوم أكثر من مرة، بإجمالي 216. هجمة متكررة.
كان تواجد المنشأة الطبية وموقعها الجغرافيّ الدقيق معروفَين أو ينبغي أن يكونا معروفَين مسبقًا لأطراف النزاع في 191 من الهجمات الموثّقة على الأقلّ.
في أكثر من ثلثيّ الهجمات الموثقة على المنشآت الطبية؛ نفّذ الجاني الهجوم بطريقةٍ تحمل خصائص الهجوم المستهدِف.
حدد الأرشيف السوري 14 حالة من الهجمات ذات النمط التجميعي (على عدة منشآت متقاربة جغرافيًا) على المنشآت الطبيّة.
اقرأ المزيد
التأثير
اتّسم ما لا يقل عن 95٪ من الهجمات الموثقة على المرافق الطبية بأنها فاقمت الأذى الذي لحق بالمدنيين على الأرجح.
أسفرت نصف الهجمات الموثقة على المنشآت الطبية في سوريا عن وقوع ضحايا مؤكّدين.
نُفّذت الهجمات ضدّ المنشآت الطبية على نطاق واسع ووُثّق حدوثها في 12 من أصل 14 محافظة سورية.
نُفّذت هجمات موثقة على مستشفيات في مناطق تخدم أعدادًا كبيرة من النازحين، كما ساهمت هجمات موثّقة في نزوح مدنيين.
أدى ما لا يقل عن نصف الهجمات الموثّقة إلى خروج منشآت طبيّة عن الخدمة أو الحدّ من قدرتها على تقديم الخدمة بشدّة..
بعد الإعلان عن مناطق خفض التصعيدفي أيار/ مايو 2017؛ فإن غالبية الهجمات ضد المنشآت الطبية وقعت ضمن تلك المناطق المحددة رسميًا..
وُثِّق استخدام الأسلحة غير المشروعة في 32 هجومًا على الأقل ضد منشآت طبية في سوريا.
حدد الأرشيف السوري 46 حالة لمنشآت طبية هوجمت بنمطٍ تجميعي مع استخدام أسلحةٍ كيماويّة.
الاستراتيجية
تُظهر الأنماط والتكتيكات الموثَّقة في الهجمات التي نفّذتها الحكومة السورية أوالقوات الروسية - المحدّدان على أنهما الجانيان الرئيسان في الهجمات ضد المنشآت الطبية - استراتيجية أساسيّة وجليّة في إلحاق الضرر والتدمير المتعمَّدين.
وفقًا لقوانين مكافحة الإرهاب للحكومة السورية؛ تُعتبر المشافي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة غير قانونية، الأمر الذي أدى إلى روايات متضاربة وإنكار رسمي يستغل هذه القوانين والشعارات ذات الصلة لتبرير الهجمات على المنشآت الطبية.
اقتحمت القوات الحكومية السورية مرافق طبية واستولت عليها في 5 حالات موثقة على الأقل، ما جعل تلك المشافي, عرضةً للخطر في ظل التواجد العسكريّ.
حدد الأرشيف السوري حالات هجمات اليوم الواحد: حُددت 6 أيام أقدمت خلالها القوات الجوية السورية والقوات الجوية الروسية على ما يبدو أنه هجمات متعمّدة ضد منشآت طبّية عديدة في محافظة واحدة.
حدّد الأرشيف السوري أيضًا حالات قامت فيها القوات الحكومية والروسية بما يبدو أنّه ترصّد لمنشآت الرعاية الطبية, أو تكرار مهاجمتها لوحدات تقدّم خدمات طبية في منطقة ما إلى أن تصبح جميعها غير صالحة للعمل أو خارجة عن الخدمة.
أدت الهجمات على المنشآت الطبية إلى تقييد وصول المدنيين الذين يعيشون في المناطق المحاصرةإلى الرعاية الطبيّة على نحو بالغ، أو الحرمان منه كليّا..
دمجت الحكومة السورية والقوات الروسية هجمات ضد المنشآت الطبية مع هجمات بالأسلحة الكيماوية خلال عمليات عسكرية لاستعادة السيطرة على مناطق مستهدَفة.
في 53 حالة موثقة على الأقل، أدّت حملات قصف عشوائي على بنى تحتيّة مدنيّة نفذتها الحكومة السورية و/أو القوات الروسية إلى إلحاق الضرر بمنشآت طبية.

I. التعمّد: المؤشّرات والاستهداف

يحمل ما نسبته أكثر من 90%، أو 374 على الأقل من أصل 410، من الهجمات الموثقة ضد المنشآت الطبية المُدرَجة في قاعدة البيانات هذه، مؤشرًا واحدًا على الأقل لهجوم متعمّد. للوصول إلى هذا التقدير، حلّلنا بعناية كل حادثة على حدة بحثًا عن المؤشرات الظرفية لقصد المهاجم:

  1. هجمات متكرّرة: الهجوم المتكرر على المنشأة نفسها في تواريخ مختلفة
  2. معروفة من قبل الأطراف: الهجمات على منشآت طبيّة كان من المفترض أن يكون تواجدها وموقعها الجغرافي معروفَين من قبل أطراف النزاع الرئيسية
  3. خصائص الهجوم المستهدِف: الهجمات التي تُنفّذ بطريقة تشير إلى استهداف
  4. الهجمات التجميعيّة: نمط يتم فيه مهاجمة عدة منشآت طبية متقاربة جغرافياً خلال فترة زمنية قصيرة

Intentionality

قد يعكس كلّ من هذه المؤشرات أبعادًا مختلفة للتعمّد بمفهومه العامّ. على سبيل المثال؛ تصلح بعض المؤشرات للدلالة على نية استهداف دقيقة لارتكاب جريمة حرب بمهاجمة هدفٍ محميٍّ بشكل خاص - منشأة طبية. فيما تدلّ مؤشّرات أخرى، لا سيما عند النظر إليها في سياقها، على نية التأثير على البنى التحتية المدنيّة بشكل عام، مثل القصف العشوائي. نترك القرار بكيفية استخدام هذه البيانات وتفسيرها للقارئ.

الهجمات المتكرّرة

تشير الهجمات المتكررة على نفس الإحداثيات الجغرافيّة أو هيكل المبنى أو أساسات المنشأة في تواريخ مختلفة إلى تعمّد تنفيذ الهجمات اللاحقة. تعرضت 75 منشأة طبية مُدرَجة في قاعدة البيانات هذه للهجوم أكثر من مرة، بإجمالي 216 هجومًا متكررًا. كما تعرّضت 30 منشأة للهجوم ثلاث مرات أو أكثر.
مثال: مشفى الشهيد حسن الأعرج (أو مشفى المغارة في كفرزيتا)

مثال: مشفى الشهيد حسن الأعرج (أو مشفى المغارة في كفرزيتا) تجاوب مقدمو الرعاية الصحية مع الهجمات الشاملة والمستمرة على المرافق الطبية في كفرزيتا في ريف حماة ببناء مشفى المغارة في كفرزيتا عام 2015، المحصن بـ 20 مترًا من الصخور. رغم ذلك، تعرض المشفى المغارة لهجمات متكرّرة) ― وُثّقت اثنتان منها في قاعدة البيانات هذه.

مثال: مشفى أورينت في كفرنبل (أو مشفى كفرنبل الجراحي)

وُثّقت 10 هجمات على مشفى أورينت في كفرنبل: متجاوزةً بذلك كل المنشآت الطبية في سوريا

معروفة من قبل الأطراف

في ما لا يقل عن 191 من الهجمات الموثقة، كانت الأطراف الرئيسة في النزاع -بما في ذلك مرتكب الهجوم -على درايةٍ أو ينبغي أن تكون على داريةٍ مسبقةٍ بتواجد المنشأة الطبية وموقعها الجغرافي. في هذه الحالات، أُسّست المنشأة الطبية قبل بداية النزاع و/أو أُدرجت ضمن “قائمة الأماكن غير المستهدفة ”، وهوجمت بعد مشاركة القائمة كجزء من “الآلية الإنسانية لتجنب النزاع” التابعة للأمم المتحدة.

وقع أكثر من 40% من الهجمات الموثقة، ما مجموعه 175 من أصل 410، على منشآت طبية أُسّست قبل النزاع. يجدر بالذكر أن الأرشيف السوري جمع وثائق مرتبطة بـ 9 هجمات على مشفى كفرزيتا التخصصي و 8 هجمات على مشفى معرة النعمان الوطني. أُنشئ كلا المشفيين قبل النزاع.

مثال: مشفى كفرزيتا التخصصي في ريف حماة

بموجب الآلية الإنسانية لتجنب النزاع في عام 2014 ، شاركت الأمم المتحدة مع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا الإحداثيات الدقيقة لمنشآت طبيّة محدّدة، على افتراض أن يساعد هذا الإجراء في الحد من أو وقف المزيد من القصف على المنشآت الطبية، إلا أن المنشآت الطبية المدرجة في هذه القائمة لا تزال عُرضةً للهجوم. تعتبر “قائمة الأماكن غير المستهدفة” الكاملة سرية للغاية، لذا فإن تحليلنا للهجمات الموثقة ضد المنشآت الطبية التي أُدرجت إحداثياتها ضمن هذه القائمة غير مكتمل. رغم ذلك، فإن 23 من مجمل الهجمات الموثّقة كانت على منشآت طبية يعلم الأرشيف السوري أنه قد أُبلغ عنها ذاتيًا للآلية الإنسانية لتجنب النزاع التابعة للأمم المتحدة.

5 مايو 2019 مثال: مشفى نبض الحياة

استُهدف مشفى نبض الحياة بغارة جوية شنتها القوات الروسية في 5 أيار/ مايو 2019. ألحق الهجوم المباشر أضرارًا جسيمة بالمنشأة الطبية وأخرجها عن الخدمة. عقب يومين من الحادثة؛ أصدرت منظمة سوريا للإغاثة والتنمية، الداعمة للمشفى، بيانًا كشفت فيه مشاركة إحداثيات المستشفى مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “كجزء من الآلية الإنسانية لتجنب النزاع”. يدلّ ذلك، كما هو موضح سابقًا، على معرفة مسبقة بالموقع الدقيق للمنشأة. علاوةً على ذلك، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تسجيلات صوتية لمراقبة حركة الرحلات الجويّة ولطياري الطائرات الحربية الروسية يناقشون إحداثيات المشفى ويؤكدون تنفيذ الغارة الجوية في 5 مايو على موقع المشفى.

خصائص الهجوم المستهدِف

في ما لا يقل عن ثُلثيّ الهجمات الموثّقة ضدّ المنشآت الطبية، أو 271 هجومًا، نفذ الجاني الهجوم بطريقة تشير إلى استهداف غير قانوني لمنشأةٍ طبيّة - والتي تعتبر من الأعيان المحميّة بشكل خاص بموجب القانون الدولي الإنساني. يتضمّن هذا الرقم جميع الهجمات الموثقة التي تتسم بواحدة على الأقل من خصائص الهجوم الدالّة على تعمّد الاستهداف، مثلما حُدّدت ضمن منهجية البحث ووسم البيانات في الأرشيف السوري. وخصائص الهجوم هذه هي:

ضربة مباشرة. في هذه الحالات، استُخدمت ذخيرة أو صاروخ واحد على الأقل لقصف المنشأة الطبية، ما أدى إلى تأثير ماديّ مباشر على الهيكل أو المبنى المستخدم لأغراض طبية.

مشفى القدس في حلب، 27 أبريل 2016

ضربة مزدوجة. وهو أسلوب هجوم يُستخدم لاستهداف أوائل المستجيبين، حيث يكون هنالك ضربات مختلفة متعددة على مواقع ذات أهمية استراتيجية ضمن فواصل زمنية تشير إلى أن الضربات اللاحقة تتعمّد إلحاق الأذى بالمستجيبين العاملين في المجال الإنساني..

مشفى ميداني في سرمين, 20 أكتوبر 2015

ضربات مُتعدّدة مستهدِفة. أسلوب هجوم يُستخدم لضمان نجاح الاستهداف ولإلحاق القدر الأقصى من الضرر على الموقع المستهدف حيث أن هنالك عدّة ضربات على نفس الإحداثيات أو المكان، بتتالٍ سريع.

مشفى أورينت في كفرنبل (مشفى كفرنبل الجراحي)، 19 سبتمبر 2017

منطقة نائية. تقع المنشأة الطبيّة منفصلة عن المراكز السكانيّة الرئيسيّة. ليست على مقربة من أو محاطة بالكثير من الأبنية (غير الطبيّة).

مشفى الرعاية الأولية في مشمشان 8 فبراير 2018

كما قدّر الأرشيف السوري، كلما كان ذلك متاحًا، قرب الهجوم الموثّق من مناطق القتال النشط، أو “المقربة من الجبهة”. يمكن أن تكون المسافة الأبعد عن الجبهة -عند وقوع الهجوم بعيدًا عن مناطق القتال النشط -مؤشرًا مفيدًا ومعلومة يجب أن تؤخذ بالحسبان عند تقييم استهداف الجاني المحتمل لمنشأة طبية. رغم ذلك، بالنسبة للعديد من الحوادث قيد التحقيق، لم يتمكن باحثونا من العثور على معلومات دقيقة أو يسهل الوصول إليها حول خطوط الجبهة المتنقّلة.

ProximitytoFrontlineVisual

مشفى إدلب المركزي (المحافظة), 25 فبراير 2020

هجمات النمط التجميعيّ

حدد الأرشيف السوري 14 حالة وقعت فيها هجمات موثّقة بنمطٍ تجميعيّ. في هذا التحليل، عرّفنا النمط التجميعيّ على أنه مجموعة من الهجمات الموثّقة استُهدفت فيها منشأتان طبّيتان أو أكثر تبعدان عن بعضهما البعض مسافة لا تزيد عن 10 كيلومترات (كم) خلال مدّة زمنيّة لا تتجاوز ستّة أيام. تتكوّن الحالات الـ 14 المحدّدة كهجمات نمط تجميعيّ من 66 هجمةً فرديّة موثّقة، والتي كانت في معظمها -46 من أصل 66 هجومًا- ضرباتٍ مباشرة أيضًا على المنشأة الطبية. كما أسفر ما يُقارب ثُلثي هجمات النمط التجميعيّ -أو 43 من أصل 66- عن وقوع ضحايا.

يُلاحظ أن هذه الظاهرة المتكرّرة من هجمات النمط التجميعيّ على المنشآت الطبية قد توضّح استراتيجية الجاني أيضًا. لا سيما أن القوات السورية أو الروسية، أو القوات السورية والروسية معًا هم الجناة المزعومون المحدّدون في غالبية -55 من أصل 66 - هجمات النمط التجميعي الموثّقة ضد المنشآت الطبيّة. علاوة على ذلك؛ فإن 59 من هذه الهجمات الـ 66 وقعت في مناطق سيطرة المعارضة، وكانت على بعد نحو 14 كم عن خطوط الجبهة. كما تشير حالات محددّة، كهجوم نيسان/أبريل 2017 على خان شيخون المذكور لاحقًا في هذا التقرير ، على نحو أوثق إلى استهداف ممنهج تجميعيّ للمنشآت الطبيّة.

مثال: هجمات النمط التجميعيّ في تموز/ يوليو 2016 في مدينة حلب

في 16 و 19 و 23 تموز/ يوليو، أكدت الوثائق المحفوظة وقوع أربع غارات جوية على مشافٍ في مدينة حلب، نُفّذت جميعها من جهة النزاع نفسها: القوات المسلحة السورية والقوات الروسية. وقعت هذه الهجمات على مسافة 3 كيلومترات من بعضها البعض على مشافٍ تعرّضت لهجماتٍ سابقة، وأُسّست قبل النزاع، ومدعومة من قبل منظمات طبيّة. كانت المشافي التي تعرضت للهجوم في مناطق سيطرة المعارضة، على بعد أقلّ من 1.2 كيلومتر من الجبهة. علاوة على ذلك، وقعت هذه الهجمات خلال حصار مكثّف فرضته الحكومة على مناطق سيطرة المعارضة في المدينة. تتميز هذه الهجمات بخصائص -مثل تأسيس المنشآت قبل النزاع، والهجمات المتكررة، والنمط التجميعيّ - تشير إلى تعمّد قصفها. كما أبلغت تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي عن هجمات إضافية غير موثقة في حي الشعار على بنك الدم ومشفى الزهراء و مشفى الدقاق في 23 تموز/ يوليو 2016.

يوليو 16يوليو 19يوليو 23يوليو 23
مشفى عمر بن عبد العزيزمشفى الصاخور ( مشفى M10)مشفى البيان في حيّ الشعارمشفى الحكيم (مشفى أطفال)

للاطلاع على البيانات المفصلة

II. التأثير: معاناة المدنيين والأذى الذي لحق بهم

تؤثر الهجمات ضد المنشآت الطبية على الناس في جميع أنحاء البلاد، وتزيد الأذى الذي لحق بالمدنيين الذين يعيشون في ظل نزاع مسلّح. نُفّذت الهجمات ضدّ المنشآت الطبية على نطاق واسع؛ ووُثّقت في 12 من أصل 14 محافظة سورية. إن غالبية الهجمات الموثقة على المنشآت الطبية في سوريا ضربت مشافٍ في محافظتي حلب (118) وإدلب (106).

إن أيّ ضرر أو دمار يلحق بمنشأة طبيّة يؤذي كلًا من المدنيين المتأثرين بالهجوم مباشرةً، والمدنيين الذين اُعيق وصولهم إلى حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان في الحصول على الرعاية الصحية. وثّق الأرشيف السوري حالات عديدة لم تؤذِ فيها الهجمات المدنيين من خلال تقييد الوصول فحسب، وإنما عبر عوامل أخرى معقدة أيضًا؛ مثل إخراج مشافٍ عن الخدمة، واستخدام غير قانوني للأسلحة، وهجمات على مشافٍ تخدم نازحين. في أكثر من 95٪ من الهجمات الموثقة ضدّ المنشآت الطبية، حدد الأرشيف السوري ظروفًا أو خصائص أو أبعادًا لهجمات يُحتمل أنها فاقمت الأذى الذي لحق بالمدنيين. في ثلثي هذه الحالات على الأقل، كان هناك عاملين أو أكثر من عوامل زيادة الأذى تلك، بما فيها:

  1. الضحايا: وفاة أو إصابة شخص ما في موقع هجوم موثّق، بما في ذلك مدنيون أو عاملون في المجال الطبي أوغيرهم من مسعفي الطوارئ.
  2. الوصول: حالات أدّى فيها هجوم موثّق إلى خروج مشفىً عن الخدمة، جزئيًا أو كليًا.
  3. القدرة على تقديم الرعاية الصحية: الحد من القدرة على تقديم الرعاية الصحية في سياق النزاع، ما جعل الخدمات الصحية في حالة يرثى لها في مواجهة جائحة عالمية.
  4. الهجمات على منشآت رعاية صحية مخصّصة لفئات عُرضة للخطر: هجمات موثّقة على مشافٍ تعالج النساء والأطفال، ومنشآت متخصّصة برعاية الصحة العقلية والأشخاص ذوي الإعاقة.
  5. العلاقة بالنزوح: هجمات موثقة على مشافٍ تخدم نازحين، أو حالات نزوح كبير بين السكّان عقب هجماتٍ موثّقة.
  6. هجمات على مناطق محاصرة: هجمات موثقة على مشافٍ في مناطق تحت حصار نشط، يتأثر فيها المدنيون بتضاؤل الإمدادات والدعم الطبي.
  7. هجمات في مناطق خفض التصعيد: هجمات موثقة ضد منشآت طبية موجودة داخل مناطق خفض التصعيد، والتي أُنشئت في جانبٍ منها للحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين داخل هذه المناطق وتخفيفه.
  8. استخدام أسلحة غير مشروعة: هجمات موثقة بأسلحة غير مشروعة أو مستخدمة بشكل غير قانوني، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والأسلحة الحارقة والبراميل المتفجرة والذخائر العنقودية والقنابل الخارقة للتحصينات.
  9. مجموعات هجمات طبية-كيماوية: حالات وقع فيها هجوم أو أكثر على منشآت طبية موثقة في نفس وقت تنفيذ هجوم واحد أو أكثر بالأسلحة الكيماوية في مكان قريب.
  10. الآلية الإنسانية لتجنب النزاع: هجمات موثقة ضد منشآت طبية مُدرجة ضمن لوائح الآلية الإنسانية لتجنب النزاع، ما يعني أنه بدلاً من الهدف المنشود بحمايتها، فإنه ومن المرجح أن هذه المنشآت كانت مستَهدفة.
دراسة حالة حول إيذاء المدنيين: منطقة جبل الزاوية

يتجلّى تأثير الهجمات على المنشآت الطبية على المدنيين وعواقبها الأليمة في حالة تجمع أكثر من 30 قرية في محيط جبل الزاوية، وهو جبل يقع شمال شرقي إدلب السورية. كان حوالي 130,000 شخص يعيشون في المنطقة قبل النزاع، ويحصلون على الرعاية الطبية في قرى جبل الزاوية، مثل أريحا وشنان، إضافة إلى اعتمادهم على البلدات المجاورة في المنطقة، بما في ذلك المدن الكبرى مثل معرة النعمان وسراقب، للمزيد من الخدمات الطبية التخصّصية والمعقّدة. أُنشئت العديد من المشافي، الموثّقة من قبل الأرشيف السوري، في المنطقة قبل بدء النزاع، بما في ذلك: مشفى الشامي، ومشفى المجني. حدد الأرشيف السوري أكثر من 50 هجومًا موثقًا على المشافي والمرافق الطبية في هذه المنطقة وحدها منذ عام 2011، بما في ذلك المنشآت التخصّصية، مثل الهجوم على مشفى الإخلاص للنساء والأطفال في شنان. أدت هذه الهجمات في كثير من الأحيان إلى خروج المشافي عن الخدمة ، وأثارت الهجمات المتكررة مخاوف الناس من طلب الرعاية الطبية في المنشآت التي تعرضت للهجوم. بحلول عام 2021، باتت العديد من المشافي متضرّرة وغير صالحة للاستخدام. كما استعادت الحكومة السورية السيطرة على معرة النعمان وسراقب، ومنعت المدنيين من الوصول إلى ما يقارب 30 مشفى في تلك المناطق. تتردد مجموعات الإغاثة والمنظمات الطبية التي كانت تدير مشافٍ في المنطقة في إعادة افتتاحها، لعلمها بكون هذه المناطق مستَهدفة ما يرجّح استمرار تعرّضها للهجوم.

رغم انخفاض عدد المشافي المتاحة؛ فإن موجات النازحين التي توافدت من داخل وخارج المنطقة تحتاج رعاية صحيّة، ومن بينهم أشخاص من كفرنبل، أو من مناطق بعيدة جدًا كريف دمشق. يعتمد سكان المنطقة والنازحون إليها على منشأتين طبّيتين فقط لا تزالان تقدمان الخدمات الصحية في أريحا، وهما مركز أريحا الصحي ومركز نسائم الخير. لم تُستهدف هاتان المنشأتان سابقًا وفق قاعدة بيانات الأرشيف السوري، إلا أنّ الخدمات التي تقدّمانها لا ترقى إلى مستوى المشافي. لم يعد هناك بنوك دم أو وحدات غسيل كلى أو أيّ خدمات أساسية أخرى.

نتيجة لذلك، اضطر بعض الأشخاص إلى قطع عشرات الكيلومترات إلى مناطق مختلفة في إدلب طلبًا للعلاج، فيما فر آخرون إلى مخيمات اللاجئين على طول الحدود التركية. لكن مع الخطر المحدق نتيجة لجائحة فيروس كورونا العالمية، والافتقار الواضح للقدرة على التباعد الاجتماعي في المخيمات؛ يعود النازحون الآن إلى جبل الزاوية رغم النقص المستمر في منشآت الرعاية الصحية أو القدرة على توفير علاج لكوفيد-19. استمرت الهجمات على المشافي رغم وجود وثائق تثبتْ تواجد تجمّعات نازحين في المنطقة، مما أدى إلى تفاقم الوضع الأليم أصلاً وزيادة الصعوبات في وجه المدنيين.

وُثّقت الخصائص التالية التي تُظهر تفاقم إيذاء المدنيين من خلال شهادات جُمعت من مصادرٍ على الأرض أو من خلال مصادر البيانات والمعلومات المُتحقّق منها من قبل الأرشيف السوري. شُرحت هذه الخصائص بالتفصيل أدناه، ويمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات حول المنهجية وتحديد المصادر في قسم المنهجية في موقعنا الإلكتروني.

الضحايا

أسفر ما يزيد عن نصف الهجمات في قاعدة البيانات - 207 من أصل 410 هجوم موثق - عن وقوع مؤكّد لضحايا؛ وربّما كان العدد أكبر من ذلك.

حسب التعريف المذكور في منهجية البحث لدينا؛ فإن وجود ضحايا يعني وفاة أو إصابة شخص ما في موقع هجوم موثّق. بالنسبة للهجمات الموثقة على المنشآت الطبية تضمّن ذلك أفردًا من الطاقم الطبي، وأطفالًا، ورضًعًا، وعاملي إنقاذ في المجال الإنسانيّ ، ومرضى كانوا يخضعون لعمليات جراحية في وقت الهجوم ― إضافة لحالات أخرى كثيرة. تجدر الإشارة إلى أن استخدام المهاجمين لاستراتيجيّات الضربة المزدوجة أو الهجمات المتعدّدة المستهدِفة تلازمَ مع زيادة كبيرة في احتمال وقوع إصابات موثقة نتيجة للهجوم. أسفر 13 من أصل 15 هجوم ضربة مزدوجة في قاعدة البيانات عن وقوع إصابات. كما أسفر ثلثا -أو 40 من 60 - الهجمات المتعدّدة المستهدِفة الموثّقة عن وقوع إصابات.

في بعض الحالات؛ كان الضحايا أشخاصًا مصابين بالفعل ويتلقون العلاج في المشفى عند تعرّضه للهجوم، ما تسبّب في مقتلهم، أو وفاتهم متأثرين بإصاباتٍ إضافية. . في حالات أخرى؛ استُهدفت مراكز طبية تقدم الرعاية للفئات الأكثر ضعفًا، كتلك المخصصة للنساء الحوامل أو ذوي الإعاقات الجسدية والعقلية، ما أدى إلى تفاقم الضرر الذي لحق بأشخاص يتطلّبون رعاية صحيّة، إضافة إلى مقتل أفراد من بينهم في الكثير من الحالات. على سبيل المثال، الهجوم على مشفى شفق للنساء مركز توليد ورعاية صحيّة أوليّة في ترمانين، إدلب. اتسم هذا الهجوم بخصائص الاستهداف وأسفر عن وقوع ضحايا، من بينهم مصابين رضّع وحوامل.

الوصول

تعتبر القدرة على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية أحد عناصر حق الإنسان في الصحة، رغم ذلك؛ فإن العديد من المشافي والمنشآت الطبية في سوريا أصبحت غير صالحة للعمل أو يتعذر الوصول إليها. حدد الأرشيف السوري ما يزيد عن 200 حالة، أي ما يقارب نصف الحوادث الموثّقة، أدّى فيها الهجوم إلى خروج المنشأة عن الخدمة. وتعني عبارة “خارج عن الخدمة” أن هذه المنشآت باتت خارج نطاق الاستخدام: حيث تعرض المبنى أو المعدات الطبية للتلف الكامل، أو تضرر جزئيًا ولكن اعتُبرَ خطرًا للغاية بحيث يتعذر الوصول إليه، أو اضطُرّ لتعليق الخدمات لإصلاح الأضرار، أو أُغلقت المنشأة مؤقتًا خوفًا من هجماتٍ إضافية. في بعض الحالات، كانت هناك دوافع سياسية لإعلان خروج المشفى عن الخدمة تجنّبًا لمزيد من الهجمات، وهو ما يندرج أيضًا تحت زيادة الضرر الذي لحق بالمدنيين، حيث يمكن أن يُوحى للعموم أن المنشأة مغلقة، ما يثني المدنيين عن الوصول إلى الرعاية الطبيّة الضرورية حتى لو كانت خدمات الرعاية الصحية ما زالت متاحة.

ما بين منتصف ديسمبر 2017 حتى منتصف فبراير 2018، حدد الأرشيف السوري 12 هجومًا موثقًا في محافظة إدلب أدى إلى خروج 11 مشفى أو منشأة طبية عن الخدمة. إضافة إلى ذلك، في المناطق التي تعرضت فيها عدة مشافي للهجوم، على سبيل المثال خلال عامي 2015 و 2016 في حلب، فإن مجرّد إغلاق مشفى واحد أثر بشدّة على الرعاية الصحية للمدنيين؛ حيث كانت القدرة الاستيعابية للمنشآت القليلة المتبقية أقل من أن تغطي حاجات الأعداد المتزايدة من المدنيين. في بعض الحالات، كما في شمال سوريا في أكتوبر 2019، فإنّ وقوع هجوم، أو خطر هجوم، على مشفى واحد فحسب قد يتسبب بإغلاق العديد من المنشآت الصحية خوفًا من تعريض العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى للخطر.

القدرة على تقديم الرعاية الصحية

حتى في الحالات التي لم تُجبر فيها المنشآت الطبية على الإغلاق؛ قللت الهجمات من قدرتها على تقديم خدمات الرعاية الصحية بطرقٍ عدّة. أولاً: من خلال تلف أو تضرّر معدّاتها الطبية، أو أجنحة المنشأة، أو شبكات الماء والكهرباء، وهو ما يجعل المنشأة الصحيّة غير قادرةٍ على توفير نفس سويّة الخدمات الصحيّة التي كانت تقدّمها قبل الهجمات. في بداية عام 2020، وقع هجوم على مشفى إدلب المركزي، ما أدى لخروج قسم الأورام السرطانية عن الخدمة، وأجبر الكوادر الطبية على استخدام أجزاء أخرى من المستشفى للعلاج. في تحقيق أجراه الأرشيف السوري حول الحادثة، أظهرت مقاطع فيديو تم التحقق منها أضرارًا بالمنشأة. في سبتمبر 2017، تسبب هجوم على مشفى أورينت في كفرنبل (مشفى كفرنبل الجراحي) بأضرار واسعة النطاق. أظهرت الأدلة التي جمعها وحلّلها الأرشيف السوري حجم الأضرار التي لحقت ببناء المشفى ومعدّاته..

إضافة إلى ذلك، يمكن للهجمات المتكرّرة على المنشآت الطبية الواقعة في مناطق محاصرة أن تحد من الوصول إلى مزيد من المستلزمات وتعرقل تسليم المعدات والأدوية الجديدة أو المطلوبة. كما أن انخفاض عدد المشافي النشطة التي يمكن الوصول إليها يضائل القدرة على تقديم الرعاية الصحية، ما يجبر عددًا أقلّ من العاملين الطبيين مع معداتٍ أقل على خدمة مجموعات سكانية أكبر، فيها أعدادٌ متزايدة من الفئات الأكثر ضعفًا. علاوة على ذلك؛ فرض هذا الانخفاض في القدرة الاستيعابية تحدّياتٍ متزايدة في مواجهة جائحة كوفيد-19 العالمية، مع افتقار المنشآت الطبية للتجهيزات اللازمة مثل أجهزة التنفس الصناعي أو حتى غرف طوارئ فاعلة، الأمر الذي اضطر هذه المنشآت إلى معالجة أعداد أكبر من المدنيين في منشآت أصغر أو ذات قدرة استيعابية أقلّ، وهو ما يتعذّر معه الحفاظ على مسافات آمنة وحماية العاملين الطبيين. ذكر تقرير نشرته منظمة العفو الدولية: “أخبر أقارب مرضى كوفيد-19 وعاملون في المجال الطبي وعاملون في المجال الإنساني، أخبروا منظمة العفو الدولية أن المشافي العامة اضطرت إلى صرف بعض المرضى بسبب عدم كفاية الأسرة وأسطوانات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي”. كما أشار تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش إلى نقص معدات الوقاية الشخصية للعاملين الصحيين وأن العديد من المنشآت الطبيّة تعمل فوق طاقتها الاستيعابية.

الهجمات على منشآت رعاية صحية مخصّصة لفئات عُرضة للخطر

تختصّ بعض المنشآت الطبية المُدرجة في قاعدة البيانات بخدمة فئات معرّضة للخطر؛ من أشخاص لا يُرجّح أن يكونوا مقاتلين. وهو ما يجعل الهجمات على هذه المراكز الطبية المتخصصة ذات تأثير حادّ على خدماتٍ صحيّة أساسيّة مُقدّمة للمدنيين على وجه الخصوص.

حدّد الأرشيف السوري 44 حالة وقع فيها هجوم موثّق ضدّ منشأة متخصّصة للنساء أو الأطفال، وأربع حالات إضافيّة ضد منشآت متخصصة أخرى؛ كتلك التي تقدم خدمات رعاية للصحّة العقلية، أو التي تعالج أشخاصًا ذوي إعاقة، وهي خدمات غالبًا ما تكون موجّهة للمدنيين. من بين هذه المنشآت مشافٍ للأمومة والأطفال: مثل مشفى الحكيم (مشفى أطفال) ومشفى عمر بن عبد العزيز في حلب، ومركز الولادة في سقبا في ريف دمشق، ومشفى شفق للنساء (مركز توليد ورعاية صحية أولية) في ترمانين، إدلب، ومشفى النساء والأطفال في الميادين بدير الزور.

كما كانت إحدى الهجمات الموثقة على المركز التخصصي لتأهيل ورعاية أذيات الحبل الشوكي في دوما في 26 سبتمبر 2017، حيث تحقّق الأرشيف السوري من مقاطع فيديو تظهر أشخاصًا يعانون من إعاقات جسدية، بعضهم يستخدمون كراسٍ متحرّكة وغير قادرين على الخروج لمكانٍ آمن، ومن حولهم مبنى المنشأة المتضرّر والإصابات الناجمة عن الهجوم.

إضافة إلى ذلك، استهدفت هجمات مشافٍ تقدم الدعم والعلاج في مجال الصحة العقلية، وهي خدمات مصيريّة في ظل النزاع. ذكرت دراسة صدرت عام 2016 تقديرًا يشير إلى أن “واحدًا تقريبًا من بين كل خمسة أشخاص في بيئات ما بعد النزاع يعاني من الاكتئاب أو اضطراب القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفُصام”. وشددت الدراسة على أهمية المنشآت الطبية التي تقدم خدمات دعم الصحة العقلية للمدنيين، كما يُعتبر الأطفال من الفئات عرضة للخطر.. لذا، يمكن اعتبار أي هجوم على مثل هذه المنشآت مفاقمًا للأذى الذي لحق بالمدنيين بشكل كبير. وذكر تقرير آخر من منظمة مكافحة العنف المسلح أنه بحلول عام 2013، لم يكن في سوريا سوى ثلاث منشآت للصحة العقلية لا تزال قيد العمل، من بينها مشفى ابن خلدون للأمراض العقلية في حلب والذي تعرّض لهجمات متكررة. وهو ما تؤكّده الحوادث الموثقة من الأرشيف السوري، والتي حددنا فيها ضربة جوية مباشرة في 25 ديسمبر 2012.

العلاقة بالنزوح

يعتبر النازحون من الفئات الأكثر ضعفًا وغالبًا ما يكونون بحاجة للخدمات الصحيّة بشكل أكبر. وقع حوالي ربع الهجمات الموثّقة في قاعدة البيانات، من إجمالي 410 هجمة موثقة، في مواقع معروفة بإيواء نازحين داخليًا. تم تحديد هذه المناطق بالاستعانة بمنشورات الأمم المتحدة عن النزوح الشهري حسب المنطقة، والمعلومات التي جمعها الباحثون في سوريا. من المحتمل أن يكون العديد من الهجمات الأخرى الموثقة قد وقع على مشافٍ تخدم تجمّعاتٍ للنازحين.

ومن الأمثلة الجديرة بالملاحظة بشكل خاص anالهجوم على مشفى الولادة في مخيم قاح الذي يؤوي نازحين داخليًا. أُنشئ المشفى عام 2019 بعد أن تم تدمير مشفى ولادة آخر نتيجة هجوم سابق. كما كان مشفى قاح للولادة جزءًا من الآلية الإنسانية لتجنب النزاع، ما يعني أنه كان من المفترض أن يكون محميًّا.

كما حدد الأرشيف السوري عدة حالات شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في حركات النزوح من المنطقة خلال الأشهر التالية لهجوم موثّق. حُددت هذه الحالات بالاستفادة من تقديرات الأمم المتحدة في تقاريرها الشهرية، فضلاً عن بلاغات أخرى بما فيها ما نشرته منظمات دوليّة غير حكوميّة، وشهادات من مصادر في سوريا. وفي حين يصعب عزو موجات النزوح هذه إلى عامل مثل الهجوم على منشأة طبية فحسب، فإن هذه الأنماط تعزّزت أيضًا في حالات كانت فيها الهجمات الموثقة جزءًا من مجموعة من الحوادث، في منطقة تحت حصار نشط، أو في حوادث تتسم بخصائص الهجوم المستهدِف.

حدد الأرشيف السوري هجمات موثقة ضد 8 مشافٍ في محافظة إدلب وقعت في نيسان/ أبريل 2017. نتيجة لذلك، ارتفع العدد المُبلغ عنه للأشخاص الذي اضطروا للانتقال من تلك المنطقة لمناطق أخرى ضمن إدلب أو خارجها من حوالي 6000 شخص في مارس إلى أكثر من 68,000 شخص في الشهر التالي. ما يقارب ثلثيّ هؤلاء النازحين الجدد انتقلوا ﻷماكن ضمن محافظة إدلب.

بشكل مشابه، أبلغت التقارير عن نزوح ما يقارب 200 ألف شخص - من بينهم 159 ألفًا داخل منطقة إدلب - تزامنًا مع خمس هجمات على مشافٍ في إدلب في يناير/ كانون الثاني 2018. في الشهر التالي، شباط / فبراير 2018، تعرضت ستة مشافٍ للهجوم في إدلب، وأُبلغ عن أكثر من 100,000 شخص نزحوا داخليًا ضمن المنطقة نفسها، من إجمالي 123,000 نازح.

هجمات على مناطق محاصرة

إضافةً إلى ما ذُكر؛ يمكن للهجمات على المشافي في المناطق الخاضعة لحصارٍ نشطٍ أن تفاقم الأذى الذي لحق بالمدنيين وتزيد من معاناتهم في ظل النزاع المستمر والشحّ الشديد في الموارد. إن الهجوم على مشافٍ تحت الحصار قد يزيد من العوز في الموارد والقدرات الاستيعابية، والتي كثيرًا ما يسهم النزاع في تضاؤلها وإعاقة وصولها. رغم أن الحصار بحدّ ذاته غير قانونيّ وفقًا للقانون الدولي للنزاع المسلح ؛ إلا أن أيّ استخدام له كوسيلة حرب يفترض أن يكون ملتزمًا بالقواعد ذات الصلة، والتي نُصّت للحد من آثار الحروب المدمّرة وتخفيف المعاناة الإنسانية.

حدّد الأرشيف السوري 83 حادثة وقعت أثناء حصار، أي ما يقارب خمس الهجمات الموثقة. جُمعت هذه البيانات باستخدام تقارير من منظمات تتبّع الحصار مثل Siege Watch، إضافة إلى تقارير أخرى ووثائق تأريخية للتثبّت من وجود حصار وقت الهجوم الموثق.

تعتبر الهجمات الواقعة خلال عام 2016 في أحياء حلب الشرقية من الأمثلة على هجمات وقعت خلال حصارٍ نشط. حدد الأرشيف السوري 26 هجوماً موثقاً على مشافٍ ومنشآت طبية في مناطق محاصرة في حلب بين 1 يناير 2015 و 22 كانون الأول 2016، كانت المدينة شبه خالية من المدنيين في ذلك الوقت. أدت الهجمات المتكررة والمباشرة إلى خروج جميع المنشآت الطبية، باستثناء مشفى القدس، عن الخدمة. حدد الأرشيف السوري هجومًا أخيرًا على مشفى القدس في 27 أبريل 2016 ، تسبّب بأضرار في المعدات الطبية، ويظهر مقطع الفيديو محاولات إنقاذ الجرحى وسط الدمار. في وقت الحصار النشط؛ حيث تقلّ المعدات والإمدادات، ويتعذّر إدخال الموارد للمنطقة، يؤدي تدمير المنشآت والمعدات الطبية ، كما حدث في الهجوم الموثق على مشفى القدس، إلى تفاقم الضرر الذي لحق بالمدنيين.

1 Hospitals

كما ذكرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية: “إن الأساليب المستخدمة في سوريا لتنفيذ الحصار بلغت حدّ الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وفي بعض الحالات، بلغت حدّ جرائم الحرب. وقد تكرّر القيام بها مرارًا بطريقة متعمدة ومنسقة ومنهجية، في انتهاك آخر لقواعد الحظر التي ينصّ عليها القانون الدولي العرفي، وفي استهتار صارخ بمبادئ حقوق الإنسان وفي انتهاك للقانون الجنائي الدولي”.

هجمات في مناطق خفض التصعيد

أُنشئت مناطق خفض التصعيد في سوريا في 4 مايو 2017، بموجب مذكرة تفاهم موقعة بين روسيا وتركيا وإيران. سعى الاتفاق إلى الحد من العنف وإيذاء المدنيين، وتضمّن مناطق واقعة في محيط إدلب وشمال حمص وشرق دمشق ودرعا.

Attackindeescalationzonesmap

نُشرت من قبل وزارة الدفاع الروسية. الترجمة.

إن غالبية الهجمات الموثقة بعد أيار/ مايو 2017 - 50 من أصل 85 - كانت ضد منشآت طبية واقعة ضمن مناطق خفض التصعيد. تُظهر الهجمات الـ 50 الموثقة داخل هذه المناطق الآمنة تجاهلًا واضحًا لاتفاقيّة دوليةٍ تهدف إلى الحد من العنف والأذى الذي لحق بالمدنيين. علاوة على ذلك؛ فإن 34 من هذه الهجمات الـ 50 الموثقة كانت ضربات مباشرة ضد منشآت طبية، فيما أسفر 28 من بينها عن ضحايا. يجدر بالذكر أن الأرشيف السوري يمكن أن يؤكد أيضًا على أنه، ومن المرجّح جدًا، أن تكون معظم هذه الهجمات - 43 من أصل 50 - قد نُفّذت من قبل القوات الروسية و/أو القوات السورية.

استخدام أسلحة غير مشروعة

وُثّق استخدام أسلحة غير مشروعة في 32 هجومًا على الأقل ضد منشآت طبية في سوريا منذ عام 2011. وبشكل عام ، يعتبر استخدام أسلحة معينة في النزاعات المسلحة محظورًا على وجه التحديد أو يصبح غير قانوني عندما يتسبب في إلحاق أذى أو معاناة غير متناسبة بالمدنيين أو الأعيان المدنية. من المؤكد أن استخدام الأسلحة غير المشروعة في الهجمات ضد المنشآت الطبية يضاعف الأذى الذي لحق بالمدنيين لما يسبّبه من تدمير أحد الأعيان المحميّة على وجه الخصوص.

من الواضح أن استخدام الأسلحة الكيماوية غير قانوني بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية (المادة 1). وُثّق استخدامان للأسلحة الكيماويّة ضد المنشآت الطبية ― مشفى الصاخور (مشفى M10) و مشفى اللطامنة الجراحي ― وكلا الهجومان نُفّذا من قبل الحكومة السورية، ووقعا في عام 2016 و 2017 على التوالي، عقب انضمام سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيماوية.

يُلزم القانون العرفي للنزاع المسلح الأطراف باتخاذ كل الاحتياطات الممكنة للحيلولة دون إيذاء المدنيين عند شن هجوم. إن استخدام البراميل المتفجرة في مناطق مكتظة بالسكان -المحدّدة وفقًا لمنهجية قاعدة بياناتنا كمنشأة طبيّة في منطقة غير نائية -يكاد يكون غير قانوني، نظرًا لعدم دقتها و انفجاراتها الواسعة. في قاعدة البيانات هذه؛ وُثّق 25 هجومًا باستخدام براميل متفجّرة ضد منشآت طبيّة لا تقع في مناطق نائية. من المرجح جدًا أن التدمير واسع النطاق للبراميل المتفجرة جعل التمييز المطلوب بين المدنيين وأي أهداف عسكرية مشروعة موجودة في منطقة الهجوم أمرًا مستحيلًا على المهاجمين، في الحالات الـ 25 الموثقة. حتى وإن أمكن تحديد هدف عسكري مشروع؛ فإن أي استخدام للبراميل المتفجرة في مناطق مكتظة بالسكان من المرجّح أن يُعتبر غير قانونيّ بسبب مخاطره غير المتناسبة على المدنيين والأعيان المدنية. علاوة على ذلك، في بعض الحالات، بلغت استخدامات موثقة للبراميل المتفجرة في مناطق مكتظة بالسكان حدّ قصف المنطقة، وهو محظور كذلك بموجب القانون العرفي للنزاع المسلح.

وبالمثل، عادة ما يكون استخدام الذخائر العنقودية غير قانوني بالنظر إلى عدم دقّتها وما تسبّبه من دمار فوري واسع النطاق. لذا، فإن من شبه المؤكد أن مرتكبي الهجمات السبع الموثقة باستخدام الذخائر العنقودية ضد منشآت طبية في سوريا لم يتخذوا الاحتياطات المطلوبة، أو يمارسوا السلطة التقديرية اللازمة، أو يتجنّبوا إلحاق الأذى غير المتناسب بالمدنيين والأعيان المدنية. علاوة على ذلك، من المعروف أن الذخائر العنقودية ذات معدلات تفجير عالية، ما يجعل ذخائرها الصغيرة غير المنفجرة شديدة الخطورة وألغامًا أرضية عشوائية فعليًا.

يحظر بروتوكول حظر أو تقييد استخدام الأسلحة الحارقة استخدام الأسلحة الحارقة إذا “تم إطلاقها جوًا… ضد هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين” (المادة 2 (2))، والذي يشمل “أي تمركز دائم أو مؤقت لمدنيين، مثل الأجزاء المأهولة من المدن، أو البلدات أو القرى المأهولة، أو المخيمات، أو صفوف اللاجئين أو مجموعات البدو”(المادة 1 (2)). هذا البروتوكول هو جزء من الاتفاقية المتعلّقة بأسلحة تقليدية معينة معروفة بأنها “شديدة الضرر أو عشوائية الأثر”.ومن المُلاحظ أنه وفي حين أن معظم الدول الأطراف في النزاع السوري بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة وتركيا قد صادقت على هذه المعاهدة، فإن سوريا لم تصادق عليها. على أية حال، تعكس لغة الاتفاق التطبيق المحتمل للقانون العرفي للنزاع المسلح -المتجذر ثانيةً في مبادئ الاحتياطات، والسلطة التقديرية، والتناسب -المُلزم لجميع أطراف النزاع. وُثقت 4 استخدامات للأسلحة الحارقة في هجمات ضد منشآت طبية في سوريا. كانت جميع هذه الاستخدامات الموثقة للأسلحة الحارقة، باستثناء استخدام واحد، عبارة عن غارات جوية ضد منشآت طبية في مناطق غير نائية.

وثّق استخدام قنابل خارقة للتحصينات في هجوم واحد في قاعدة البيانات هذه ضدّ مشفى الصاخور أو مشفى، وكانت المنشأة المتضرّرة مصمّمة بطريقة تحميها من القصف الجوي عن طريق حفر الأنفاق لبناء مرافق تحت الأرض. إن استخدام قنبلة خارقة للتحصينات، المُعدّة لاختراق الهياكل المحصنة جيدًا في أعماق الأرض، يشير بقوة إلى تعمّد تدمير منشأة طبية محمية على وجه الخصوص.

مجموعات الهجمات الطبيّة-الكيماوية

حدد الأرشيف السوري 46 حالة وقع فيها هجوم موثّق أو أكثر على منشآت طبية في نفس وقت تنفيذ هجوم واحد أو أكثر بالأسلحة الكيماوية في مكان قريب. هذا النمط من الهجوم يحدّ بشدة من القدرة الطبية المحلية على توفير رعاية فعلية لضحايا الهجمات الكيماوية. لم يتمكن الأرشيف السوري من تحديد فيما إذا كانت المنشأة الطبية القريبة والمُهاجَمة قد استُخدمت لعلاج ضحايا الهجمات الكيماوية لجميع حالات مجموعات الهجمات الطبيّة-الكيماوية. رغم ذلك، يشير العدد الكبير من مجموعات الهجمات الطبيّة-الكيماوية -46 هجومًا موثقًا على الأقل -إلى نمط مهاجمة المنشآت الطبية قبل أو بعد أو أثناء الاستخدام غير القانوني للأسلحة الكيماوية المؤذية صحيًا. إن أي استراتيجية لاستهداف مقدمي الرعاية الطبية القريبين في موقع وتوقيت قريبين من هجوم بالأسلحة الكيماوية هي استراتيجية من شبه المؤكد أنها ستؤدي إلى تفاقم المعاناة وتدهور الظروف المعيشية السيئة أصلًا في مناطق مأهولة بسكان مدنيين.

تتضمن هذه المجموعات الـ 46، ما مجمله: 77 هجومًا بالأسلحة الكيماوية** و 68 هجومًا موثقًا على المشافي، وقع كل منها في نطاق 0-10 أيام من هجوم واحد على الأقل بالأسلحة الكيماوية على موقع قريب. كانت المنشآت الطبية “القريبة” على بعد 10 كيلومترات في المتوسط ​​من مواقع الهجوم بالأسلحة الكيماوية. تُظهر بياناتنا أن ما يقدر بنحو 56 من المنشآت الطبية التي تعرضت لهجوم مجتمِع مع هجوم كيماوي قد استُهدفت عمداً.

مثال: مجموعة هجمات خان شيخون الطبية-الكيماوية

ExampleKhanSheikhounmedicalChemicalCluster

في 4 نيسان/ أبريل 2017، هاجمت القوات الحكومية السورية بلدة خان شيخون بغاز السارين، ما أسفر عن مقتل 98 شخصًا وإصابة 300 آخرين. في نفس اليوم ― بعد 4 ساعات ونصف ― قصفت القوات الحكومية أو الروسية مشفى الرحمة القريب بـ 9 غارات جوية. كما هوجم مشفيان آخران قريبان في المنطقة: مشفى معرة النعمان الوطني في 2 نيسان/ أبريل 2017 ونقطة طبية في حيش في 7 نيسان/ أبريل 2017. وصف العاملون في مشفى معرة النعمان الوطني المشفى بأنه: “المشفى الرئيسي في المنطقة، والذي كان من الممكن أن يتعامل بشكل أفضل مع حالات المرضى الذي تعرّضوا لعوامل كيميائية ” لو لم يُدمّر خلال الأيام السابقة.

دراسة الحالة كاملة

مثال: مجموعة هجمات سراقب الطبية-الكيماوية

ExampleSaraqibMedicalChemicalCluster

في 4 شباط/ فبراير 2018، شنت الحكومة السورية هجوماً بغاز الكلور على مدينة سراقب في إدلب. خلال الأسبوع نفسه، كانت هناك 4 هجمات موثقة على منشآت طبية تقع قرب سراقب، على طول أوتستراد دمشق - حلب M5.

دراسة الحالة كاملة

الآلية الإنسانية لتجنب النزاع

حُدّدت مشافٍ ومنشآت طبيّة من الآلية الإنسانية لتجنب النزاع لتكون محميّة بشكل خاص، لكنها استُهدفت عقب ذلك، الأمر الذي يعتبر عاملًا إضافيًا يفاقم الأذى الذي لحق بالمدنيين نتيجة اﻹحساس الزائف بالأمان الذي بثّه في من يتلقّون العلاج. حدد الأرشيف السوري 23 هجوما موثقًا على منشآت يُعرف بأنها أبلغت الآلية الإنسانية لتجنب النزاع للأمم المتحدة بشكل ذاتي، ناشدةً الحماية.

على سبيل المثال، قام الأرشيف السوري بجمع وحفظ مقاطع فيديو توثّق الهجوم على مشفى الرستن الميداني في حمص في 30 نيسان/ أبريل 2018. كان المشفى معروفًا للأطراف ومن بين المنشآت التي أبلغت الآلية الإنسانية لتجنب النزاع بشكل ذاتيّ.

III. الاستراتيجية: تحليل الجناة ضمن السياق

حدد الأرشيف السوري بشكل موثوق الجناة في أكثر من ثلثي -أو 280 من أصل 410 -الهجمات الموثّقة على المنشآت الطبية في قاعدة البيانات. وفيها، حُدّدت القوات الحكومية السورية والروسية -كل منهما على حدة أو بالتنسيق فيما بينهما -كجناةٍ مزعومين بنسبة 90٪، أو في 252 هجمة موثقة. كما حُدّدت أطراف النزاع الأخرى، بما في ذلك جماعات معارضة وميليشيات موالية للحكومة السورية والقوات التركية والدولة الإسلامية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وقوات سوريا الديمقراطية SDF و حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ووحدات حماية الشعب YPG، على أنهم الجناة المزعومون في 28 هجوماً موثقًاً على المنشآت الطبية.

يُعتبر الاستهداف المتعمِّد للإيذاء استراتيجية أساسيّة وجليّة في الهجمات المتكررة والمتواترة وواسعة النطاق ضد المنشآت الطبية في سوريا والمُنفّذة من قبل الجناة الرئيسيّين، القوات الحكومية السورية أو الروسية، منذ عام 2011. ذكر تقرير نشره مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: “يشير نمط الهجمات إلى أن القوات الحكومية [السورية] تعمّدت استهداف المشافي والوحدات الطبية بغرض المكاسب العسكرية من خلال حرمان الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة ومن يُعتَبرون من مؤيّديهم من الرعاية الطبية”. رغم أن الدستور السوريّ ينص على أنّ “تحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي” (المادة 22 (2)).

تظهر هذه الاستراتيجية الواضحة في أنماط وتكتيكات هجمات -موضّحة بأمثلة موثّقة من قاعدة البيانات- فيما يلي.

روايات مكافحة الإرهاب والنفي الرسمي

في مرحلة مبكّرةٍ من النزاع، في 2 تموز/ يوليو 2012، سنت الحكومة السورية قوانين مكافحة الإرهاب التي جرّمت بشكل فعليّ - وغير قانوني-تقديم المساعدة الطبية لأيّ شخص تحدده الحكومة السورية على أنه معارض. وكانت نتائج ذلك أن: “قامت وكالات المخابرات ووكالات إنفاذ القانون التابعة للحكومة بالإخفاء القسري للعاملين الطبيين الذين يقدمون العلاج لمن كانوا يعتبرون من مؤيديّ المعارضة”. وفقًا لهذا المنطق، فإنّ هجمات القوات الحكومية والقوات الحليفة لها ضد المنشآت الطبية في مناطق سيطرة المعارضة، يمكن أيضًا أن تُعتبر متّسقة مع ما يسمى بقانون مكافحة الإرهاب. كما تم تجاهل طلبات الحصول على موافقة الحكومة لتشغيل المنشآت الطبية في مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما جعل تشغيل أية مشفى في تلك المناطق غير قانوني عمليًا.

ما يقرب من 90٪ من هجمات القوات السوريّة ضد المنشآت الطبية كانت موجّهة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. 95% منها هجمات متعمّدة.؛ وفقًا لتقديرات الأرشيف السوري.

كما أن تصريحات الجناة في النفي تدلّ على استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتبرير الهجمات ضدّ المنشآت الطبية والبنى التحتية المدنية الأخرى. على سبيل المثال، استخدمت القوات الروسية شعارات الحكومة السورية وقوانين مكافحة الإرهاب لإنكار أو تبرير الهجمات على المنشآت الطبية.

دراسة حالة: مشفى سرمين الميداني

AntiTerrorismCaseStudyFieldHospitalInSarmin

دمار في مدرسة قريبة، عقب استهداف القوات الروسية مشفىً ميدانيًا في سرمين.

في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، قصفت القوات الروسية مشفىً ميدانيًا في سرمين بعدة غارات جوية ما أسفر عن وقوع إصابات. كما ألحق الهجوم أضرارًا بمدرسةٍ قبالة المنشأة المستهدفة مباشرةً. يُزعم أن القوات الروسية قصفت المنطقة في ضربة مزدوجة، أسفرت عن مقتل أفراد من المدنيين وأوائل المستجيبين الذين وصلوا إلى مكان الحادث لإنقاذ الضحايا.

رداً على الاتهامات بهذا الهجوم، أصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً حول الغارة الجوية. تحت عنوان: “على مدار اليومين الماضيين، شنت طائرات المجموعة الجوية الروسية في سوريا ضربات جوية على منشآت بنية تحتية غير محميّة لجماعات داعش وجبهة النصرة الإرهابيتين” نفى البيان الادعاءات بشأن هجوم على المنشأة، مستشهدًا على نحو غير دقيق بصور أقمار صناعية للمشفى أو الشارع المجاور لإثبات عدم وجود أضرار مرئية، ومدينًا الجماعات الإرهابية في محاولة واضحة لإضفاء شرعية على الهجوم.

لم يعثر الأرشيف السوري على أي معلومات تشير على نحو موثوق إلى وجود أهداف عسكرية، والتي تُعرّف بأنها “الأعيان التي تسهم إسهاماً فعّالاً في العمل العسكري سواء بطبيعتها أو موقعها أو غايتها أو استخدامها، والتي يحقق تدميرها كلياً أو جزئياً، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها في الأحوال السائدة في حينه ميزة عسكرية مؤكدة”، رغم ذلك.

كان مشفى سرمين الميداني حينها ضمن منطقة تسيطر عليها المعارضة، وبالتالي يخضع لقانون مكافحة الإرهاب الذي نصّته الحكومة السورية.

أمثلة إضافية على إنكار الجناة

اسم المشفىتاريخ الهجومتاريخ الهجومتاريخ الهجوم
مشفى الصاخور ( مشفى M10))1 أكتوبر 2016هجوم مشترك من القوات السورية والروسيةنفي وزارة الدفاع الروسية
مشفى الصاخور ( مشفى M10)3 أكتوبر 2016القوات السورية أو الروسيةنفي وزارة الدفاع الروسية
مشفى أطباء بلا حدود في معرة النعمان15 فبراير 2016القوات الروسيةنفي وزارة الدفاع الروسية

تعريض المشافي للخطر بالتواجد العسكري

يصف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقريره الصادر في سبتمبر 2013 استراتيجية القوات الحكومية السورية “بوضع أهداف عسكرية في المستشفيات” باستخدام هذه المواقع لـ “إيواء مقاتلين أصحاء، أو تخزين أسلحة أو ذخيرة ، [أو] كمراكز مراقبة عسكرية. أو دروعًا للعمل العسكري”. يعرض هذا التكتيك منشآت الرعاية الصحية الأساسية للخطر، ما يجعلها أهدافًا ممكنة - وقانونية- للهجوم، الأمر الذي يؤدّي إلى “فشل في اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين من آثار الهجوم [العسكري]“.

حدد الأرشيف السوري 5 حالات موثقة لاقتحام القوات المسلحة السورية منشآت طبيّة والاستيلاء عليها بقواتها البرّية. تخلق الهجمات البرية من قبل المقاتلين وجودًا عسكريًا استراتيجيًا في المنشأة الطبية، وتُفقد الهدفَ المدني الحماية، ولو بشكل مؤقّت.

اسم المشفىالمحافظةتاريخ الهجومالضحايا
مشفى الريس (مشفى الحوراني)حماة1 أغسطس 2011غير معروف
مشفى الريس (مشفى الحوراني)حماة22 أغسطس 2011غير معروف
مشفى الرجاء الجراحيريف دمشق1 فبراير 2012يوجد
مشفى حمدانريف دمشق29 يونيو 2012يوجد
مشفى الحسنريف دمشق18 أغسطس 2012غير معروف

وقعت غالبية الهجمات البرية الموثقة على المنشآت الطبية من قبل القوات الحكومية السورية في عامي 2011 و 2012، في محافظتي ريف دمشق وحماة على وجه التحديد. أسفرت هجمتان من بينها عن وقوع إصابات. من أصل خمس هجمات، تعرّض مشفى الريس (أو مستشفى الحوراني) لهجومين برّيين.

مثال مشفى الريس (مشفى الحوراني)

داهمت القوات المسلحة السورية مشفى الريس في 1 آب/ أغسطس 2011.

توضح مقاطع الفيديو التي تم جمعها جنودًا نظاميين مسلحين أثناء اقترابهم من المنشأة وحصارها. أفادت هيومن رايتس ووتش أنه قد شاع استخدام هذا التكتيك من قبل القوات الحكومية على المشفى لتخويف المرضى والعاملين الطبيين الذين يعالجون متظاهرين. على سبيل المثال، ذكرت هيومن رايتس ووتش أنه بتاريخ في 5 يوليو 2011 “حاصر الجيش السوري مستشفى حوراني […] مما أخاف العديد من أولئك الذين كانوا قد تجمعوا في محيط المستشفى، ولكنهم لم يدخلوا المستشفى أو يعتقلوا أياً من الجرحى هناك. ”

رغم ذلك، تُظهر مقاطع الفيديو الموثّقة لحادثة مداهمة المشفى في 1 آب /أغسطس تحطم معدّات المشفى ونيراناً وفجوات ناجمة عن أعيرة ناريّة في النوافذ وشظايا / فوارغ أعيرة ناريّة مبعثرة على أرض المنشأة. تشير المعلومات المرئية إلى أنه فضلًا عن إخافة موظفي المستشفى والمرضى؛ دوهمت المنشأة لإيذاء الموجودين فيها. هاجمت القوات المسلحة السورية مشفى الريس مرة أخرى في وقت لاحق من عام 2011. تظهر لقطات من ذلك الهجوم دمارًا مشابهًا في المنشأة.

تواجد قوات حكومية سورية في مشفى الريس، 1 أغسطس 2011

تكشف بعض الحوادث، مثل هجوم 28 أيار/ مايو 2019 على مشفى دار الحكمة في كفرنبل، عن استراتيجية إضافية للحكومة السورية ببناء بنى تحتيّة عسكرية ثم استخدامها لمهاجمة منشآت طبية قريبة.

رغم ذلك، فإن تعريض المنشآت الطبية للخطر من خلال التواجد العسكري لم يقتصر على قوات الحكومة السورية. حدد الأرشيف السوري 6 حالات لهجمات برية مشابهة على منشآت طبية من قبل قواتٍ معارضة، إضافةً إلى حالة واحدة من قبل وحدات حماية الشعب YPG أو حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو قوات سوريا الديمقراطية SDF وميليشيات موالية للحكومة. في جميع الحالات، جعل هذا التكتيك مراكز الرعاية الصحية العاملة في النزاعات المسلحة عُرضة للخطر، وهدد قدرتها على تقديم الخدمات الطبية الأساسية للمدنيين في المنطقة.

هجمات اليوم الواحد

إنّ استهداف عدّة منشآت طبية في يوم واحدٍ من قبل مجموعة جناة واحدة أو من نفس الجانب من النزاع يجسد صفتيّ المنهجية والتعمّد لهذه الاستراتيجية الشاملة لمهاجمة المنشآت الطبية أثناء النزاع المسلح السوري. حدد الأرشيف السوري 6 حالات أمكن فيها ملاحظة هذا النمط، حيث هاجمت القوات السورية و/أو الروسية بشكل يبدو أنّه متعمّد عدة منشآت طبية ضمن نفس المحافظة، خلال يوم واحد. بعبارة أخرى، تحمل كلٌ من هذه الهجمات التجميعيّة مؤشرًا واحدًا أو أكثر يدلّ على تعمّد استهداف منشآت طبية على وجه التحديد في ذلك اليوم.

التاريخالتاريخاسم المنشأة الطبيةالجناة المزعومونمؤشرات الاستهداف
ضربة جوية مباشرةضربة مزدوجةضربات متعدّدة مستهدِفةمنطقة نائيةمؤسَّس قبل النزاع
16 أكتوبر 2015حلبمشفى الحاضرالقوات السورية و/أو الروسيةXX
مشفى العيس الميدانيالقوات الروسيةXX
15 فبراير 2016إدلبمشفى معرّة النعمان الوطنيالقوات السوريةXX
مشفى أطباء بلا حدود في معرّة النعمانالقوات الروسيةXXX
23 يوليو 2016حلبمشفى البيان في حي الشعارالقوات السوريةX
مشفى الحكيم (مشفى أطفال تخصّصي)القوات السورية و/أو الروسيةXX
مشفى الأتاربالقوات الروسيةX
14 نوفمبر 2016حلبمشفى الأنصار “بيوتي” في اورم الكبرىهجوم مشترك من القوات السورية والروسيةX
مشفى الأتاربالقوات الروسيةXX
مشفى بغداد في عويجلالقوات الروسيةXX
19 سبتمبر 2017إدلبمشفى الرحمة في خان شيخونالقوات الروسيةX
مشفى أورينت في كفرنبل (مشفى كفرنبل الجراحي)القوات الروسيةXX
مشفى الرحمن في التحالقوات الروسيةXXX
5 مايو 2019إدلبمشفى نبض الحياة (مشفى حاس))القوات الروسيةXXX
مشفى أورينت في كفرنبل (مشفى كفرنبل الجراحي)القوات الروسيةXXX
مشفى ترملا التخصصيالقوات السوريةX

ترصّد خدمات الرعاية الصحية

ترصّد خدمات الرعاية الطبية هو تكرار الهجوم على مقدمي خدمات طبية متقاربين جغرافيًا -غالبًا في المدينة أو القرية نفسها، مع مناطق خدمة متداخلة - إلى أن تصبح جميعها غير صالحة للعمل أو خارجة عن الخدمة. إنّ هذا النمط من الهجمات يحدّ بشدة من الوصول إلى الرعاية الطبية، ما يؤثر على الظروف المعيشية لجميع سكّان المناطق المتضررة.

اتخذ عاملو الرعاية الصحية والمنظمات الطبية تدابير وقائية للحدّ من هذا النمط المدمر من الهجمات، بما في ذلك: الإعلان للعموم عن توقّف المنشأة عن العمل أملًا بمنع هجمات إضافية؛ حفر أنفاق أسفل المنشأة أو نقل الخدمات إلى الأقبية لإحداث أماكن معززة هيكليًا للرعاية أو المأوى؛ أو بناء منشآت طبية جديدة محميّة أكثر في مواقع جديدة عن طريق حفر أنفاق في الكهوف أو سفوح الجبال. رغم ذلك، فقد أعقب هذه الإجراءات الوقائية تصعيدٌ موثق ومُبلّغ عنه في التكتيكات التدميرية التي استخدمها الطرف المهاجم، مثل استخدام القنابل الخارقة للتحصينات و/أو الأسلحة الكيميائية في هجمات يُدّعى أنها من قبل الحكومة السورية والقوات الروسية ضد منشآت طبية تحت الأرض أو محصّنة بصورة مختلفة.

مثال: منطقة الريف بين إدلب وحماة

حدد الأرشيف السوري هجمات متكررة وموثقة على ثلاث منشآت طبية تقع على بعد 25 كيلومترًا من بعضها البعض. أخرجت الهجمات المتكرّرة جميع هذه المنشآت عن الخدمة في بعض الأحيان.

ExampleCountrysideAreaBetweenIdlibAndHama مشفى كفرزيتا التخصصي عقب استهدافه من قبل القوات الروسية في 5 فبراير 2018.

  1. مشفى كفرزيتا التخصصي هو ثاني أكثر المنشآت تعرّضاً للهجوم في قاعدة البيانات هذه. حيث أصابت 9 هجمات موثقة مشفى كفرزيتا التخصصي، وتسبّب كلّ منها في تعطيل خدماته مؤقّتًا بين عامي 2014 و 2018، قبل أن تخرج المنشأة عن الخدمة. كليًا في نهاية المطاف. كل هذه الهجمات الموثقة كانت غارات جوية يُزعم أنها نُفّذت من قبل القوات السورية أو الروسية، من بينها 4 هجمات أصيب المشفى فيها ببراميل متفجرة. من المرجّح أن الاستهداف كان متعمّدًا من قبل الجناة في هذه الهجمات؛ نظرًا إلى أن المنشأة قد أُسّست قبل النزاع وتعرضت لهجمات متكررة. لمواجهة تكرار استهدافه؛ أُعلن المشفى خارجًاعن الخدمة” مع استمرار العمليات سراً بين عامي 2014 و 2018، أملًا في ردع هجماتٍ محتملة. في نهاية الأمر، انتقلت المنشأة الطبية للعمل تحت الأرض. تُظهر مقاطع فيديو تعود إلى عام 2016 نفقًا خرسانيًا لدخول المشفى. وردت مقابلات مع أطباء يعملون في المشفى في تقرير صدر عن الحملة السورية بالشراكة مع منظمّات طبيّة في سوريا بعنوان “Saving Lives Underground”. وفيه ذُكر أن الدكتور حسن الأعرج بادر إلى بناء مشفى المغارة في كفرزيتا تصدّيًا للهجمات المتكررة على مشفى كفرزيتا التخصصي.
  1. مشفى الشهيد حسن الأعرج (أو مشفى المغارة في كفرزيتا) بُني محصّنًا بـ 20 متراً من الصخور، ليقاوم الأضرار. كان المشفى يخدم حوالي 7000 مريض شهريًا، وفقًا لمنظمة أوسوم UOSSM. يُزعم أن القوات الروسية هاجمت المشفى مرتين في أوائل عام 2018، حيث أصيبت المنشأة مباشرة بضربات جوية في كلا الهجومين، ويرجّح أن تكون قد استُهدفت عمدًا. بعد الهجوم الثاني في 1 فبراير 2018 ؛ أعلنت الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS)، وهي منظمة غير حكومية تدعم المنشأة الطبية، خروج المشفى عن الخدمة مؤقتًا على الأقل. بُني المشفى تصدّيًا للهجمات المتكررة على المنشآت الطبية في المنطقة، وغالبًا ما أُعلن خروجه عن الخدمة في محاولة لمنع المزيد من الهجمات. مع ذلك، أجرى الأرشيف السوري مقابلات مع شهود أفادوا برؤية القوات الحكومية تدخل المنشأة بعد هجوم شباط/ فبراير 2018. أظهرت تقارير إخبارية روسية دخول القوات الروسية المشفى وتدميرها في 1 آذار/ مارس 2021.
  1. وُثّقت 10 هجمات بين عامي 2014 و 2019 على مشفى أورينت في كفرنبل (أو مشفى كفرنبل الجراحي)، يُزعم أن الحكومة السورية أو القوات الروسية مسؤولة عن 8 هجمات من بينها على الأقل. تشير خصائص الهجوم المستهدِف إلى تعمّد استهداف المنشأة في كل هذه الهجمات الموثقة. وفقًا للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة؛ دُمّر المشفى بالكامل في أيار/ مايو 2019. كان مشفى أورينت يقدّم خدمات الرعاية الصحية لأكثر من 200,000 مريض، وانتقل ليتابع عمله تحت الأرض بين عامي 2018 و 2019. يظهر مقطع فيديو من تلك الفترة الزمنية نفقًا خرسانيًا يؤدي إلى جزء تحت الأرض من المنشأة.

الحصار: "تجفيف البحر لقتل الأسماك"

“الاستسلام أو الموت جوعًا”، أو تنشيف البحر (أي تجفيفه لقتل الأسماك، كما وُصِف من قبل ضحايا هذه الاستراتيجية)؛ هو تكتيك عسكري شبه دوريّ قائم على الحصار تم توظيفه مرارًا - غالبًا من قبل قوات الحكومة السورية -في محاولة واضحة لإرضاخ طرف مسيطر على منطقة. وفقًا لما ذكرته لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية؛ فإن النمط المُلاحظ يشمل:

(a) تطويق المنطقة، بما في ذلك إقامة حواجز تفتيش في جميع نقاط الوصول

(b) فرض الحصار، بما في ذلك منع تدفق المواد الغذائية والإمدادات الطبية وأحياناً المياه والكهرباء إلى المدينة أو المنطقة

(c) قصف مدفعي وجوي على المنطقة المحاصرة

(d) الاعتقال، والاختفاء في كثير من الأحيان، لمن يحاول الخروج من المنطقة؛ سواء من الجرحى الذين يسعون للحصول على علاج طبي لم يعد متاحًا في الداخل، أو ممّن يحاولون كسر الحصار، غالبًا عن طريق تهريب مواد غذائية وإمدادات طبية

أحد جوانب الحصار كنمطِ هجوم يكمن في الاستهداف المتعمّد للإمدادات الطبية ومقدمي الرعاية الطبية والمنشآت الطبية. وهكذا، فإنّ الدافع غير الإنساني هو جزء أساسيّ من هذه الاستراتيجية الواضحة، وذلك عبر المساواة ما بين المدنيين والمقاتلين المسلحين الذين يعيشون داخل المناطق المحاصرة في ظل قصف منتظم، دون الوصول إلى الرعاية الطبية أو توافرها، وتعريضهم لمعاناة شديدة تفضي إلى استسلام المنطقة.

لا يوجد جدول زمني شامل ومفصّل ومتاح للعموم للحصار في سوريا. رغم ذلك، تُظهر بيانات الأرشيف السوري قيام الحكومة السورية والقوات الروسية بشن هجمات على منشآت طبية في دمشق وريف دمشق وحلب بين عامي 2012 و 2018، أثناء فرض حصار على هذه المناطق، ما أدى إلى تقييد الوصول إلى علاج طبي أو الحرمان منه كليًا. في قاعدة البيانات هذه؛ وُثّق وقوع ما لا يقل عن 85 هجومًا على مشافٍ أثناء الحصار.

كانت القوات الحكومية الروسية أو السورية الجاني المزعوم عن 53 هجوماً منها، كما أسفر 35 هجوماً من تنفيذ هذه القوات عن وقوع ضحايا. تكرّر هجوم القوات الحكومية الروسية والسورية على 8 مشافٍ، ما يؤكّد التعمّد لزيادة أوضاع المدنيين سوءًا في مناطق الحصار.

في تقرير لمنظمة العفو الدولية حول حصار مخيم اليرموك في دمشق؛ وصفت الشهادات التي جمعها الباحثون الهجماتِ المستهدِفة المتكررة ضدّ المشافي والطواقم الطبية في المخيم بأنها قلّصت الطاقة الاستيعابية وخدمات المنشآت الطبية على نحو خطير. في مخيّم اليرموك بمفرده؛ وثّق الأرشيف السوري أربع هجمات على مشفى فلسطين وهجومَين على مشفى الباسل أثناء الحصار.

إلى جانب الهجمات المستهدِفة، ذكرت تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تفاصيل إضافية عن منع الإجلاء الطبي من قبل القوات الحكومية السورية أثناء الحصار، وذلك عقب دمار المشافي أو توقّفها عن العمل. تُظهر الهجمات على المنشآت الطبية أثناء الحصار، بشكل متّسق مع أنماط الهجمات الأخرى في قاعدة البيانات، استراتيجية الجناة المتمثلة في الاستفادة من الهجمات على المنشآت الطبية أثناء العمليات العسكرية لزيادة الأذى الذي لحق بالمدنيين.

مجموعات الهجمات الطبية-الكيماوية والعمليات العسكرية

أشارت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تقريرها الصادر في أبريل 2020 عن هجمات مارس 2017 الكيماوية على قرية اللطامنة؛ إلى أن استخدام الحكومة السورية لهجمات الأسلحة الكيماوية “يتسق مع استراتيجية [عسكرية] تهدف إلى بث الرعب في صفوف المدنيين والمقاتلين على حد سواء، عبر تدمير بنىً تحتيّة مثل المنشآت الطبية لازمة لمواصلة القتال، وضمان عدم شعور أحد بالأمان حتى خلف خطوط الجبهة”. وفقًا للمعهد العالمي للسياسات العامة، يمكن عزو جميع الهجمات الكيماوية الموثقة * تقريبًا إلى الحكومة السورية.

حدد الأرشيف السوري هجمات على منشآت طبية وقعت في توقيت ومكان قريبين من تنفيذ هجمات بالأسلحة الكيماوية؛ خلال عمليات عسكرية حكومية، بمزيد من التأكيد لاستخدام مزيج قاتلٍ من الهجمات الكيماوية مع الهجمات على منشآت طبية في استراتيجيات عسكرية حكومية. عند مقارنة عدد الهجمات على المشافي والهجمات باستخدام أسلحة كيماوية أسبوعيًا؛ تُظهر البيانات فتراتٍ وقع فيها الهجومان في سياقٍ شنّ فيه الجناة عملياتٍ عسكرية لاستعادة السيطرة على المناطق المستهدفة.

تكشف بياناتنا عن ارتفاع أعداد الهجمات ضد المنشآت الطبية وهجمات الأسلحة الكيماوية بشكل متزامن، في نفس الوقت تقريبًا وفي نفس الموقع الجغرافي العام للهجمات العسكرية الكبيرة. تُظهر البيانات استراتيجية الحكومة السورية في استخدام مزيج من كلا النوعين من الهجمات لتعزيز هجماتها، وذلك في 89 أسبوعًا غير متتالٍ؛ وقع فيها هجوم واحد على الأقل على مشفىً وهجوم بالأسلحة الكيماوية في الأسبوع ذاته.

المثال الأول: آذار/ مارس - حزيران/ يونيو 2015

وقعت خلال فترة مارس - يونيو 2015 هجمات بالأسلحة الكيماوية وهجمات على مشافٍ في أسبوعٍ واحد لما مجموعه 16 أسبوعا غير متتالٍ، فشهدت بذلك ارتفاعًا في عدد الهجمات ضد المشافي وهجمات الأسلحة الكيماوية بمعدّل هجومين على المشافي و 5 هجمات بالأسلحة الكيماوية في الأسبوع غير المتتالي. ووقعت غالبية هذه الهجمات على بلدات ومشافٍ في محافظة إدلب، وكانت الحكومة السورية هي الجاني المزعوم فيها. بالنظر إلى سياق النزاع الأوسع نطاقاً؛ يُرجّح أن هذه الهجمات كانت رد فعل الحكومة السورية على عملية عسكرية بقيادة المعارضة لاستعادة المحافظة، وتحديداً مدينة إدلب.

المثال الثاني: حزيران/ يونيو - كانون الأول/ ديسمبر 2016

وقعت خلال فترة يونيو - ديسمبر 2016 هجمات بالأسلحة الكيماوية وهجمات على مشافٍ في أسبوعٍ واحد لما مجموعه 13 أسبوعا غير متتالٍ، فشهدت بذلك زيادةً حادة في عدد الهجمات ضد المشافي وهجمات الأسلحة الكيماوية بمعدّل 3 هجمات على المشافي و هجومين بالأسلحة الكيماوية في الأسبوع غير المتتالي. وقعت جميع تلك الهجمات حول مدينة حلب بشكل خاصّ. حدد الأرشيف السوري القوات الروسية والسورية كجناةٍ مسؤولون عن غالبية الهجمات الـ 36 على المنشآت الطبية في تلك الفترة. نظرًا لتوقيت ومكان وقوع هذه الحوادث، فقد كانت على الأرجح جزءًا من عملية الحكومة السورية العسكرية لاستعادة مدينة حلب.

القصف العشوائي على بنى تحتيّة مدنيّة

في حين أن الهجمات المستهدِفة والتي تبدو استراتيجيّة ضد المنشآت الطبية في سوريا تتسبب في معاناة شديدة للمدنيين وتخلق ظروفًا غير صالحة للعيش؛ فكذلك القصف العشوائي على المناطق المكتظة بالسكان في سوريا؛ متعمّد واستراتيجيّ وغير قانوني بوضوح، و مستمرّ. في بيان صدر في آذار/ مارس 2015، وصف رئيس لجنة التحقيق الدولي المستقل بشأن الجمهورية العربية السورية القصف العشوائي على المناطق المدنية بأنه “عنصر رئيسي في استراتيجية قوات الدولة السورية في النزاع الراهن”.

حدد الأرشيف السوري ما لا يقل عن 53 حالة موثقة لمرافق طبية تأثرت بحملات القصف العشوائي. يندرج ضمنها هجمات نفذتها الحكومة السورية أو القوات الروسية، والتي تتميز بواحد على الأقل من المؤشرات السياقيّة التالية للقصف العشوائي:

  1. استخدام أسلحة عشوائية: مثل ذخائر عنقودية، براميل متفجرة، أو أسلحة كيماوية.
  2. الهجوم ضد عدّة منشآت الطبية في متجاورة جغرافيًا - مثلًا؛ مشافٍ تقع على بعد بضع بنايات من بعضها البعض، في نفس الحي بالمدينة - في يوم واحد.
  3. الهجوم على أشخاص وأعيان محميّين متقاربين جغرافيًا -مخابز، أسواق، مبانٍ دينية، مدارس، أو مصادر مياه -ضمن هجماتٍ موثّقة واحدة.

عقب ذلك، فحصنا الهجمات التي تحمل مؤشرات ظرفية على وجود حملات قصف عشوائي في سياقها، مع التثبّت من النتائج بتقارير عن أنشطة النزاع في منطقة الهجوم في ذلك الوقت، وكذلك باستثناء أية منشآت طبية تقع في مناطق نائية.

“تشير الدلائل السابقة إلى أن الاستخدام المكثف للقصف الجوي والمدفعي، رغم أنه عشوائي في تأثيره المباشر، قد تكرّر لاستهداف مراكز نشاط مدني. توكّد التقارير وقوع هجمات متكررة وواسعة النطاق أدت إلى معاناة مدنيين، بمزيد من الإثبات للاستخدام المتعمّد للعنف ضد مدنيين وبنىً تحتية مدنية ” وفقًا للدكتورة أنيتا غودس، أستاذة الأمن الحاسوبي الدولي في مدرسة هيرتي.

تُظهر البيانات أن القوات السورية والروسية استخدمت أسلحة عشوائية - ذخائر عنقودية وبراميل متفجرة وأسلحة كيماوية - في ما لا يقل عن 38 هجومًا من هذه الهجمات ضد منشآت طبية. في هجوم 22 نيسان/ أبريل 2017، الذي أصاب مشفى عابدين في إدلب، على سبيل المثال، زُعم أن القوات الروسية استخدمت ذخائر عنقودية، ما أدى إلى إصابة الطاقم الطبي وخروج المشفى عن الخدمة.

مقطع مصوّر في مشفى الحكيم في حيّ الشعار في مدينة حلب، 14 نوفمبر 2016

كما حدد الأرشيف السوري 3 حوادث موثقة لعدّة منشآت طبية هوجمت في التاريخ والموقع نفسهما تقريبًا. على سبيل المثال، هوجم مشفيان في حي الشعار في حلب -مشفى البيان، ومشفى الحكيم (مستشفى الأطفال التخصصي) مشفى البيان, ومشفى الحكيم (مستشفى الأطفال التخصصي) - من قبل القوات الحكومية الروسية أو السورية خلال أسبوع 14 نوفمبر 2016. كان ذلك جزءًا من عملية واسعة النطاق للحكومة السورية لاستعادة أجزاء من المدينة.

أخيرًا، وثّق الأرشيف السوري 11 هجومًا كانت القوات السورية والروسية الجناة المزعومون لها، حيث لم يتسبب القصف في أضرار للمنشآت الطبية فحسب، بل امتدّ أثره على أشخاص وأعيان محمية أخرى: مثل الأسواق، والمخابز، والمدارس، أو المباني الدينية. في 20 تشرين الأول / أكتوبر 2015 ، قصفت القوات الروسية مشفىً ميدانيًا في سرمين بعدة غارات جوية ألحقت أضرارًا بمدرسة قريبةٍ أيضًا. وأسفرت الضربة المزدوجة عن سقوط قتلى وجرحى من العاملين بالمشفى ومتطوعي الدفاع المدني.